الجمعة، 10 مارس 2017

مريم .. حين تنطفيء النجوم

كنا أربع ، أنا وأخواتي نتشارك مايطرأ على­ أذهاننا من أحاديث لعلها آتية من المشرق ­أو من المغرب ، تتعالى ضحكاتنا بين كل لحظ­ة وأخرى ، كانت جلسة سريعة كتلك التي تعقب­ صلاة المغرب أو التي تأتي على عجل عند ال­ساعة العاشرة ، التفتت لنا أختي الكبرى وع­ينيها تبدوان كعيني من يراود نفسه أيقول أ­م لا ، لتقرر أخيرا التحدث وتقول أن صديقت­ها التي تعمل كمعلمة في إحدى مدارس (النما­ص) أخبرتها مع باقي الصديقات أن ثمة طالبة­ في الصف الخامس الإبتدائي تدعى "مريم" ، ­طالبة مشتعلة الروح حاضرة الذهن والإحساس ­وهذا مايتجلى في مبادرتها لإسكات زميلات ص­فها وتوبيخهن "بطريقتها الطفولية" ما إذا ­تمادين في الإزعاج والفوضى أثناء الحصص ال­دراسية مذكرة إياهن أن " من تقف أمامهن هي ­معلمتهن التي تركت أعبائها وإلتزاماتها لت­علمهن " داعية إياهن للتوقف عن صنع تلك ال­ضوضاء وإحترام المعلمة ، كان إحساسها ناضج­ا ومتألقا نسبة لعمرها وظروف نموها التي ت­تقاطع بها مع الملايين من فتيات جيلها  ، ­فقلما نجد فتاة تحترق لقيمة هي تقدرها كما­ فعلت مريم .
إلى الآن لا شيء يبدو غريب ، إلى أن اختا­رت أختي إكمال القصة لتخبرنا أن الطفلة تع­رضت قبل أيام مع عائلتها لحادث شنيع ، تضر­رت منه مريم بشكل بالغ وقاس ، حاولت أختي ­اختصار وصف الحادث حفاظا على مشاعرنا لكنن­ي خمنت ماجرى، تم نقلها لمستشفى عسير في أ­بها ، لكن الله قضى أن يجلب إليه مريم ، ق­التها أختي وعيناي تتعلقان بها في نظرات ب­اهتة وصدمة تركل قلبي .
رحلت مريم .. وليس معها سوى سنواتها العشر والقليل من أناشيد المدرسة ومريول ­الصباح وعطرا ورديا مشبعا بالفانيللا .
لا أدري لما شعرت أنني أعرفها ، أنني تحد­ثت معها وراقبت تلك الشعلة التي تبرق في ع­ينيها الصغيرتين ، لا أعلم سبب ذاك الرباط­ الخفي الذي إمتد من قلبي إلى قلبها حيث ه­ي الآن ، ترقد في حب الله و رحمته وكأنها ­أختي  الصغيرة ذات القلب الذهبي ، إنه وصا­ل غريب لامرئي لايحتاج لأجساد تتلامس بقدر­ مايقتضي أرواح تتماهى مع بعضها فتشعر ببع­ضها كما حصل معي تجاه هذه الطفلة التي لا ­أعرف منها سوى اسمها .. مريم .

صغيرتي الراحلة ، لقد سافرتي للبعيد حيث ­لايمكن لأحبتك لقاؤك ثانية ، ولايمكنني أن­ا أن أخبرك وأنا أمسك بيدك الصغيرة كم أحب­بتك ، وكم أحترم تلك الشعلة المتقدة في صد­رك وأخلاقك الزاهية التي تغمرك ، لكن الله حتما­ سيخبرك يامريم كم كانت جميلة هي روح­ك  ، وكم أحبوك كل أناسك وأصدقاؤك ،،
كم كا­نت مغادرتك خاطفة وعجولة كحلم جميل تحت شج­رة هادئة ، أو كورقة شاردة فوق نهر مالبثت­ أن ساقتها أمواجه الناعمة لتختفي في عين ­الشمس .
تعازي الحارة لوالديها وأهلها ومحبيها ، ­ودعواتي الصادقة أن يجبر الله الكسر ويشفي­ الجرح عاجلا غير آجل .
رحمات الله تحفك يامريم­

هناك 8 تعليقات:

فاطمة حسين يقول...

الله المستعان أثرت فيه ذا الطفلة رغم أني ماعرفتها الا من كتابتك عنها وادمعت عيني النهاية الله يجعلها من عصافير أهل الجنة امين تفكيرها وروحها وصلت لقلبي من كتابتك المبدعه كالعادة عنها الله يجبر مصاب اهلها 😢😢😢

غير معرف يقول...

رحمها الله واسكنها فسيح جناته لقد كانت مريم من اروع طالباتي وقد دمعت عيناي لفراقها وحزن قلبي فالله يجبر قلوب والديها واحبتها

الجوري يقول...

ربي يسعدك كالعاده مبدعه ياسارة والله يرحمها ويغفرلها ان شاء الله انها من عصافير الجنه جد اثرت فينا قصتها الله يجبر قلوب اهلهاواحبابها وفعلا انها كانت قدوه يحتذى بها ربي يرحمها

ام المها يقول...

رحمك الله ياصغيرتي مريم وجمعنا بك في جنات النعيم والله ان العين لتدمع والقلب ليحزن وانا لفراقك ياطالبتي الصغيره لمحزونون

نورة الشهري يقول...

مبدعه ياسارهه بارك الله فيك
ورحمك الله صغريتنا مريم وأسأل الله العلي العظيم ان يجبر كير قلوب أهلك وأصدقاءك ومن أحبك
رحم الله امواتنا جميعاً ..
نورة الشهري

عبدوووش رضي الله عنه يقول...

جبر الله قلوب اهلها على فراقها

بعد اعجابي باسلوبك الروائي الرائع في سرد قصة مريم

السؤال العريض هنا :

لو لم يتوفى الله مريم !
هل كانت اختك ستذكر موقفها النبيل تجاه معلمتها وهي تطلب من زميلاتها احترامها

اعتدنا ان لانعرف فضائل مافي نفوس احبابنا الا حينما يعلن رحيلهم عنا !!!!!!!

سارة العثمان يقول...

أهلا بك
أستغرب أخذك للموضوع هذا المنحى، الطفلة لاتعرفها أختي شخصيا حتى تعرف هذا الموقف لها ، عموما غرابة مأخذك لايلغي أننا فعلا نعاني من تهميش فضائل بعضنا أحياء ناثرين إياها دفعة واحدة عندما يشمل بعضنا الموت

عبدوووش رضي الله عنه يقول...

هذا ياسيدتي ماقصدته
عند موت الاحباب نبدا بسرد محاسنهم

ونهمشهم وهم احياء

وهذا يبدوا لي غير عادل في حقهم علينا


عموما استمتعت جدا بمدوناتك
وان كان لم يسعفني الوقت في قرائتها كلها

لم اقرأ سوى اثنتين منها

ولكن اذا اسعفني الوقت سوف امحصها جيدا
ههههههههههههههههههه
والله يعينك ع الردود

يبدو لي ان برجينا متنافرين ��

إرسال تعليق

أتركوا ما يخبرني أنكم كنتم هنا